محمد أبو المجد Admin
عدد المساهمات : 67 نقاط : 208 تاريخ التسجيل : 24/03/2011 العمر : 54 الموقع : مصر
| موضوع: أسباب غياب الوعي بالسنن الإثنين أبريل 25, 2011 9:51 pm | |
| محمد أبو المجد
أسباب غياب الوعي بالسنن
1. عدم دراسة التجارب البشرية التاريخية السابقة 2. عدم الاعتقاد بثبات السنن و اطرادها 3. الفكر الخاطئ بأن الأسباب التي توصل إلى النتائج تتعارض مع الإيمان 4. المنهج العلمي 5. عدم فهم عقيدة القضاء و القدر فهماً سليماً 6. الفهم الخاطئ لحقيقة التوكل 7. الفهم الخاطئ لمفهوم " للعبادة " 8. الظلم و القهر
أ سباب غياب الوعي بالسنن
1 – عدم دراسة التجارب البشرية التاريخية السابقة :-
طلب العليم الخبير من المؤمنين أن يتبصروا بأحوال الأمم السابقة 0 ليعتبر المؤمنين و يحول اعتبارهم دون السقوط و انتقال علل الأمم السابقة إليهم , هذا من جانب , و من جانب آخر فان دراسة التجارب البشرية التاريخية السابقة , و سنن و قوانين النهوض تقود إلى السير للأمام 0 و لهذا يرجع البعض الانحسار الحضاري الذي نعاني منه اليوم إلى العدول عن الانضباط بالسنن
فالتوقف عن السير في الأرض و التبصر بالقوانين التي تحكم سنن الكون و الحياة أدى إلى تكرار أخطاءنا , و عجزنا عن مراجعة هذه الأخطاء و دراستها و معرفة أسباب القصور فاصبح موقفنا خارج التاريخ حيث أن التاريخ تفصيل لجزيئات ما عرفنا الله و رسوله به من الأسباب الكلية للخير و الشر 0
2 – عدم الاعتقاد بثبات السنن و اطرادها :
تسرب بعض علل الأمم السابقة التي حذرنا الله منها من خلال القصص القرآني , و التي كانت سبب انحسارهم الحضاري 0 فقد تسربت هذه العلل إلى المسلمين في عصور التخلف و البعد عن الدين 0 فكانت الأفكار الشائعة عند بعض الفرق الإسلامية متمثلاً في عدم الاعتقاد في ثبات السنن و اطرادها و تحولها و تبدلها لا0
3 – الفكر الخاطئ بأن الأسباب التي توصل إلى النتائج تتعارض مع الإيمان :
اعتقد البعض إن الأخذ بالأسباب يناقض التوكل و يتعارض مع قدر الله , فكان العدول عن كشف السنن , و توقف التقدم العلمي 0
مع أن الأسباب و السنن هي أقدار الله التي شرعها لعباده و أن الله الذي شرع الأسباب ليتعبد المخلوق بمدي اتباعها و انتهاجها مع التوكل عليه سبحانه , فالموحد عندما يري الأسباب تتحرك أمامه ينظر إلى قدرة الله 0
فاتباع الأسباب التي شرعها الله هو غاية التكليف و العبودية و أن سنن الله في الاستخلاف و التمكين من السنن الإلهية الثابتة التي لا يجري عليها القدم بمرور الزمن و لا يعتريها بفعل ظروف طارئة
4 – المنهج العلمي :
- الإسلام يعتمد المنهج الاستقرائي في كشف السنن و القوانين العلمية الثابتة و المطردة التي تحكم الحياة و الكون و الأنفس و الآفاق , و الدليل علي ثبات السنن و اطرادها يتحقق من الاستقراء و ليس من القياس 0 فقد كان جيل القرون الأولى يتعامل مع السنن بشكل تلقائي لأنهم عرفوا الوحي عن طريق معطيات القران الكريم و مضامينه في السنن التي تحكم الحياة و الكون و ما عرضه من قصص عن نهوض الأمم و الحضارات و سقوطها و ربط الأسباب بالمسببات و المقدمات بالنتائج 0
- و إن الدعوة للسير في الأرض التي حث عليها القران إنما هي في الحقيقة للاستدلال و التأكد من فاعلية السنن و عدم تخلفها ثم الاكتشاف لسنن أخرى بالاستقراء و الملاحظة - و تذكر المستشرقة الألمانية " زي فريد هونكة " في كتابها ( شمس العرب تشرق علي الغرب ) : - ( إن حضارة الغرب قد وُلدت في صقلية و كان المشرفون عليها هم العرب , و انه بفضل التأثير العربي نتجت نظرية جديدة للعلوم الطبيعية أساسها التجربة و الخبرة )
· لكن الفكر الحضاري للإسلام توقف عند حدود العقل السابق , و العقل المسلم قد أضحى مكبل دائماً بأصل يقيس عليه أو بنص يحول بينه و بين الانفتاح في التفكير , فهو دائماً فرع لا أصل و هذا هو سبب عجزه الحضاري و انحساره المتمثل في اعتماده في النظر و التفكير علي المنهج الاستنباطي في قضايا الفقه التشريعي أي أن العقل إنما يتحرك في إطار سابق محكوم ببعض القيود و الضوابط التي جاء بها الوحي في الحلال و الحرام
· أما فيما وراء الحكم الفقهي التشريعي فالإسلام يعتمد المنهج الاستقرائي 0 فاكتشاف السنن و التوصل إلى الدليل الذي يبين الحق إنما يأتي من استقراء التاريخ و الواقع , و إن الإبداع الحضاري لم يأتي من فراغ , و إنما نتيجة النظر في سوابق قائمة 0 فالإصابة التي لحقت بالعقل اليوم و الفكر الإسلامي جاء نتيجة سوء التصرف في المنهجية و الخلط بينهم و عدم القدرة علي استخدام كل في مجاله 0
5 - عدم فهم عقيدة القضاء و القدر فهماً سليماً :
· و قد ترتب عليه النظر إلى التاريخ علي انه مجرد أحداث تتعاقب دون أن يكون للإنسان أية مساهمة في صنع أو توجيه أحداثه و لا يد للإنسان فيه 0 مما كان له اثر كبير في تحديد إرادة الإنسان و موقفه تجاه المشكلات التي تواجهه في الحياة 0 و يقول الإنسان لنفسه هذا قدري قد كتبه الله علي , و لا يسعه سوي الإذعان و مسايرة الظروف أو الاستسلام للواقع و لا نفكر حتى في اسبابها و يتحملها الجيل الذي يأتي بعدنا 0
· علي الرغم من أن الإنسان هو المنفذ الحقيقي لإرادة الله و قضائه و قدره في هذه الأرض , فالتاريخ هو صناعة بشرية بإرادة الله و علمه و قدره و الإنسان المستخلف في هذه الأرض مكلف بالحركة و النشاط وفق السنن الإلهية حتى ينسجم مع الكون الذي حوله و حتى يحقق وجوده كانسان مستحق للتكريم الإلهي و الاستخلاف الإنساني 0
· فالتاريخ هو عمل و كسب , و حركة و نشاط و هو سلسلة من الأسباب و الأحداث التي تُصنع بجهد البشر و أن صنع الأسباب يكون بالاختيار لا بالجبر, كما أن الإنسان حين يغفل عن سنن الله , فان السنن لا تغفل أن تأخذ طريقها دون شعور الإنسان 0
· إن الله سبحانه و تعالي لن يحاسبنا إلا علي الفعل الذي نقوم به باختيارنا – كما سيتم التوضيح في جدلية القدر و الحرية – فيقول جل و علا : (ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لّلْعَبِيدِ) و قوله تعالي " بما كنتم تعملون " و قوله جل شانه " بما كنتم تكسبون " و ينبغي الإشارة هنا إلى أن عقيدة الجبر بالرغم من كونها اكثر شراً و فساداً من عقيدة نفي القدر , فقد ظلت سارية و ظاهرة في المسلمين و بدون إرادة منهم و لا رغبة فيها , و كم رٌسخ هذا المعتقد الخاطئ الفاسد في نفوس المسلمين , و أقعدهم عن العمل الجاد النافع فضعفوا , و هنوا , و أصيبوا بكل قاصمة , حتى اصبحوا المثل في العجز و الكسل و التخلف في ميادين العمل و الإنتاج فأصبحوا يرون أحياءهم أمواتاً يبررون قعودهم عن كل خير يسعد به غيرهم 0 و يبررونه بقول شاعر هم : - جري قلم القضاء بما يكون نسيان الترحل و السكون جنون بك أن تسعي لرزقك و يرزق في غيابته الجنين
- فهو مذهب معطل قاتل يقود أهله إلى خسران الدنيا و الآخرة , و مخالف لسنن المولي عز و جل الذي طلب منا إعمار الأرض و خلق الإنسان للقيام بمهمة الخلافة و إعمار الأرض 0 فماذا لو اخذ الناس كلهم بهذا المذهب ؟ ماذا كان يحدث للحياة ؟ من المؤكد أنها كانت تنتهي و تفني 0
6 – الفهم الخاطئ لحقيقة التوكل : -
· التوكل هو الاستسلام لله تعالي , و تفويض الأمر إليه اعتماداً و وثوقاً به , و أمر الله تعالي به في غير آية من كتابه , و جعله آية الإيمان و علامته فقال تعالي في سورة النساء : (وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيّتَ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً)
· و في سورة المائدة قال تعالى: (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكّلُوَاْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ)
· و خص سبحانه و تعالي التوكل به وحده فقال في سورة إبراهيم : (وَمَا لَنَآ أَلاّ نَتَوَكّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنّ عَلَىَ مَآ آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ)
· و وعد سبحانه و تعالي بالكفاية عليه في قوله في سورة الطلاق قال تعالى: (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلّ شَيْءٍ قَدْراً) ولما كان لا كافي إلا الله , و لا قادر علي شيء سواه , و لا عالم بكل شيء غيره , كان التوكل علي غير الله باطلا و شركا و كان المتوكل علي غير الله سكوناً و وثوقاً و اعتماداً مشركا 0
· وكما سبق و أوضح الباحث أن هناك طائفة من الناس توهمت بان الاعتقاد بان الأسباب توصل إلى النتائج يتعارض مع الإيمان بقدرة الله , الذي شرع و قدر أن تكون الأسباب موصلة للنتائج 0 و كذلك الاعتقاد بتحريم النظر إلى علل الأشياء و أسبابها يناقض التوكل و يتعارض مع قدر الله فكان العدول عن كشف السنن , مع أننا نجد في حديث الرسول صلي الله عليه و سلم ما يدعونا إلى الأخذ بالأسباب " اعقلها و توكل "0
· و كذلك يذكر ابن القيم الجوزي - رحمه الله- ( إن في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي لا ينافي التوكل , كما لا ينافيه دفع داء الجوع و العطش و الحر والبرد بأضدادها , بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات
لمسبباتها قدراً و شرعاً , و إن تعطيلها يقدح في نفس التوكل , كما يقدح في الأمر و الحكمة , و يضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها اقوي في التوكل , فان تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب علي الله في حصول ما ينفع العبد في دينه و دنياه و دفع ما يضره في دينه و دنياه و لا يمنع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب و إلا كان معطلا للحكمة و الشرع فلا يجعل العبد عجزه توكلا , و لا توكله عجزاً 0 ً · و يذكر بن تيميه رحمه الله إن القول بالتعارض بين التوكل و الأخذ بالأسباب ( من قلة العلم بسنة الله في خلقه و أمره , فإن الله سبحانه و تعالي خلق المخلوقات بأسباب , و شرع للعباد أسباباً ينالون بها مغفرته و رحمته و ثوابه في الدنيا و الآخرة , فمن ظن انه بمجرد توكله مع تركه ما أمره الله به من أسباب يحصل مطلوبه , و أن المطالب لا تتوقف علي الأسباب التي جعلها الله أسباباً لها , فهو غالط )
· و الرسول صلي الله عليه و سلم يضرب لنا اكبر و اعظم المثل في التوكل علي الله و الأخذ بالأسباب في رحلة الهجرة و الإعداد لها , و في حروبه و غزواته و في حياته بتعاطي أسباب الأكل و الشرب , و ادخر لأهله قوتهم و لم ينتظر أن ينزل عليه من السماء 0
· و يتعجب فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله من بعض الناس الذين يفسرون التوكل علي الله بأنه دعوة إلى عدم العمل و الجهاد , بينما هو في الحقيقة دعوة للجهاد و العمل والتأكد من أن النتيجة طيبة , و لان يبارك الله هذا العمل و هذا الجهاد الصادر من قلب المؤمن , و لكن بعض الناس يريدون أن يضعوا في الدين ما ليس فيه , و إذا كانت المسألة هي أن نترك كل شيء لله , و لا نعمل – فلست ادري – لماذا يتخلي هؤلاء الناس عن مبادئهم في ابسط الأشياء و هو الطعام و الشراب , فإذا عطش فهو يقوم ليشرب و إذا جاء الطعام , فهو يأكل و يبذل جهداً في تناول الطعام و مضغه 0 فلماذا لا يترك كل هذا لقدر الله , إذا كان المطلوب هو عدم العمل و لماذا يأتي إلى هذه النقطة بالذات و يضيف عملاً إلى ما أعطاه الله 0 · و ديننا الإسلامي وضع أمامنا كل أسباب الرقي و التقدم , و طلب منا العمل في الدنيا حتى تتحقق لنا ثمرة هذا العمل فإذا كنا قد تركنا أسباب التقدم التي هي موجودة في الإسلام فليس هذا عيب الإسلام و إنما العيب في تطبيق مبادئ الإسلام و لهذا ضرب الله عدة أمثال في القرآن لكي نتبع سنن الله التي وضعها في الأرض بالنسبة للحياة الدنيا , فيأخذ كل إنسان نصيبه منها , و كذلك أيضاً من يتبع سنن الله بالنسبة للحياة الآخرة بأخذ نصيبه منها 0
· و مع ذلك لا يجب علينا الاعتماد علي الأسباب و عدم النظر إلى المسبب فنكون ممن لم ننفذ قوي بصائرهم من المتحرك إلى المحرك و من الآلة إلى الفاعل فضعفت عزائمهم و قصرت هممهم فقل نصيبهم و لم يجدوا ذوق التعبد بالتوكل و الاستعانة 0
· و يقول فيهم ابن القيم الجوزي- رحمه الله - ( هؤلاء لهم نصيب من التوفيق و النفوذ و التأثير بحسب استعانتهم و توكلهم و لهم من الخذلان و الضعف و المهانة و العجز بحسب قلة استعانتهم و توكلهم و لو توكل العبد علي الله حق توكله في إزالة جبل عن مكانه و كان مأموراً بإزالته لأزاله ) و لا نكون مثل الماديين الذين يركنون إلى الأسباب و يتركون رب الأسباب و مسبب الأسباب و كأنها تعمل وحدها دون إرادة الله 0
7- الفهم الخاطئ لمفهوم " للعبادة " :-
العبادة تشمل جميع جوانب الحياة فيقول سبحانه : (قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوّلُ الْمُسْلِمِينَ)
فمن عرف الله كانت أعماله كلها و عبادته موافقة لأمر الله و لم يحبه و يرضاه , و هذا هو العمل الذي لا يقبل الله من عمل سواه 0
و الناس بشأن العبادة منقسمون إلى أربع أقسام هي : ----
1. أهل الإخلاص للمعبود و المتابعة فأعمالهم كلها لله و أقوالهم كلها لله , و عطاؤهم لله , و منعهم لله , و حبهم لله , فمعاملتهم ظاهراً أو باطنا لوجه الله تعالي 0
2. من لا إخلاص و لا متابعة , فليس عمله موافقاً لشرع أو خالصاً للمعبود كأعمال المرائين للناس بما لم يشرعه الله و رسوله و هؤلاء هم شرار الخلق , و امقتهم إلى الله عز و جل 0
3. من هو مخلص في أعماله لكنها علي غير متابعة الأمر كجهال العباد و المنتسبين إلى طريق الزهد و الفقر , و كل من عبد الله بغير أمره , و اعتقد أن عبادته هذه تقرباً إلى الله مثل صوم الليل و النهار تقرب , و من يصوم يوم فطر الناس تقرب , و من يلجأ إلى الخلوة و يترك الجماعة 0
4. من هو من أعماله متابعة الأمر لكنها لغير الله كطاعة المرائيين و كالرجل الذي يقاتل رياء و شجاعة و الذي ينفق ليقال جواد , فلا تقبل 0
· علة الخلق هي العبادة فيقول سبحانه و تعالي " و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون " و الله يفعل ما يشاء فيما يشاء بما يشاء , و لكن العلة تعود علي غير الله لها تعليل , فعلة العبادة ليست له سبحانه لكن في مصلحة الخلق جميعاً , لأنها تنقلنا إلى الدار الآخرة – الباقية – فالخلق جميعاً لا تزد الجلال الإلهي صفة و لا فائدة 00 فالعبادة هي طاعة لله في أمره افعل , و في نهيه لا تفعل 0 الرجل الذي دخل الجنة لأنه سقي كلب , و المرأة التي دخلت النار لأنها عذبت هرة 00 ما الفائدة التي عادت علي الله عز و جل ؟ و بالتالي فعلة العبادة مصلحة الخلق جميعاً و عندما ينهي الخالق سبحانه و تعالي عن الفحشاء و المنكر , إنما لمصلحة الخلق و ليست الخالق , و عندما يأمر بالعدل فلمصلحة الخلق أيضا 0
و لذلك يقول عز و جل في حديثه القدسي : (( يا عبادي لو أن أولكم وآخركم و إنسكم و جنكم كانوا علي قلب اتقي رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً , يا عبادي لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا علي افجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا , يا عبادي لو أن أولكم وآخركم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط اُدخل البحر , يا عبادي إنما هي أعمالكم أٌحصيها لكم ثم أٌوفيكم إياها , فمن وجد خيراً فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ))
فالعبادة لا تقتصر علي الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج فقط و من يقول غير ذلك إنما لا يريدون أن يرتبطوا بمنهج السماء . بل , يريدون أن يعزلوا منهج السماء عن الأرض , كما يريدون عزله عن سياسة البشر لأنهم يريدون أن يخضع البشر لسلطتهم لأن منهج السماء يقيد أمر الحاكم و المحكوم 0
يظن البعض أن للعبادة مكان معين ووقت محدد فقط , و أنه إذا أدي الإنسان ذلك انتهي كل ما عليه , فحركة الحياة ليست صلاة فحسب أو صوم فحسب و إنما هي كل حركة مفيدة في الحياة 0
· و يذكر السيد قطب في تفسير آية " و ما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون " أن مدلول العبادة لا بد وأن يكون أوسع و أشمل من مجرد إقامة الشعائر , فالجن و الإنس لا يقضون حياتهم في إقامة الشعائر , و الله لا يكلفهم هذا , بل يكلفهم ألوان أخرى من النشاط تستغرق معظم حياتهم و قد لا نعرف ألوان النشاط التي يكلف بها الجن , و لكننا نعرف بالتأكيد حدود النشاط المطلوب من الإنسان في القرآن الكريم من قوله تعالي " و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " إذن فهي الخلافة في الأرض عمل هذا الكائن الإنساني و هي تقتضي ألوانا ًمن النشاط الإنساني الحيوي في عمارة الأرض و التعرف إلى قواها و طاقتها و اكتشاف سننها و مكنوناتها و تحقيق إرادة الله في استخدامها و ترقي الحياة فيها , و تلك الخلافة تقتضي القيام علي شريعة الله في الأرض لتحقيق المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام فحقيقة العبادة تتمثل في أمرين رئيسيين : -
أولهما : استقرار معني العبودية لله : استقرار الشعور أن هناك عبد و هناك رب واحد و الكل له عبيد0
و ثانيهما : التوجه إلي الله بكل حركة في الضمير و الجوارح و كل حركة في الحياة التوجه بها إلي الله خالصة 0
· و بذلك يصبح العمل كالشعائر , و الشعائر كعمارة الأرض , و عمارة الأرض كالجهاد في سبيل الله , و الجهاد في سبيل الله كالصبر علي الشدائد و الرضي بقدر الله 0 و من ثم يتغير موقف الإنسان تجاه الواجبات و الأعمال فينظر إلى معني العبادة الكامن فيها , و متي حقق هذا المعني انتهت مهمته و تحققت غايته 0 و متي نفض الإنسان قلبه من نتائج العمل و الجهد و شعر أنه أخذ نصيبه , و ضمن جزائه بمجرد تحقق معني العبادة في الباعث علي العمل و الجهد , فلن تبقي في قلبه أطماع تدعو إلي التكالب و الخصام , فهو من جانب يبذل أقصى ما يمكن من الجهد و الطاقة في الخلافة و النهوض بالتكاليف و من جانب آخر ينفض يده و قلبه من التعلق بأعراض هذه الأرض , و ثمرات هذا النشاط , لأنه حقق هذه الثمار ليحقق معني العبادة فيها , لا ليحصل عليها و يحتجزها لذاته 0
· و القرآن يغذي هذا الإحساس و يقويه , بتحرير مشاعر الإنسان من الانشغال بهم الرزق و من شح النفس , لأن الرزق مكفول , تكفل به الله , و بالتال لا يكون حافز المؤمن من بذل الجهد و العمل – الحرص علي تحصيل الرزق – بل يكون الحافز هو تحقيق العبادة و لكن مع الأسف البشرية لا تعيش هذه المشاعر كما عاشها الجيل الأول بتلقائية 0 في جميع جوانب حياتهم بحيث توافقت مع سنن الله التي سنها لعباده الصالحين 0
8 - الظلم و القهر : -
· صناعة التاريخ تقتضي وجود صانع فعال , و محرك رئيسي للأحداث , فالإنسان هو العنصر و المقوم الحضاري الأول الذي اهتمت به جميع الرسالات السماوية , و الفلسفات المادية قديماً و حديثاً فهو الباني للحضارات و هو أيضاً المسبب لجميع المشكلات التي تواجه المجتمعات 0 و عناصر الملحمة الإنسانية منذ فجر التاريخ ٍِإلي نهاية الزمن هي حلقات لسلسلة واحدة تؤلف عناصرها الملحمة البشرية منذ أن هبط آدم عليه السلام علي الأرض إلى آخر وريث له فيها 0
· و قد تميزت النظرة الإسلامية عن غيرها من المذاهب الأخرى حيث رأت في الإنسان كائناً مستحقاً للتكريم الإلهي منذ الخلق الأول التي تعطي الإنسان الاستعداد الضروري لأداء الدور المكلف به و هو عبادة الله سبحانه وتعالي و عمارة الأرض باستخلافه فيها , و في سبيل ذلك زوده المولي عز و جل بالعقل و الإرادة و سخر له الكون , و مهدت له الأرض ووضعت أمامه السنن كي يؤدي وظيفته 0
· و حينما يتعرض الإنسان للظلم ,و القهر , و فقدان قيمته كإنسان , فلن يكون لديه الاستعدادات لأداء دوره المكلف به في عمارة الأرض و القيام بأعباء الخلافة و لن يكون لديه الإرادة لتسخير ما في الكون , و لا الإرادة لاكتشاف سنن المولي سبحانه و تعالي المبثوثة بالكون 0
· إن شعور المسلم بالعدل و الحرية في العصور الأولي للإسلام كان يمنحه نوعاً من العزة و الثقة بالنفس , و كان يعطيه دافعاً معنوياً قوياً نحو العمل و قد كان قولهم ( جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد ) رصيداً حضارياً يجوبون به الآفاق و يحررون به البشر 0
· فالعدل و الحرية هما وقود ضروري للمجتمعات المتحضرة و حين يفقدا يحل محلهما القهر و الظلم و تتراجع النفوس عن أداء دورها 0 فالقهر الاجتماعي يقيد حركة الإنسان و يعطل نشاطه , و بخاصة حين يحمل فكرة تغيرية في المجتمع فكيف لذلك الإنسان القيام بمهامه؟ و كيف نطلب منه اكتشاف السنن و تسخيرها بالكون ؟ و يقول بن تيميه رحمه الله, أن الله تعالي يقيم دولة العدل و لو كانت كافرة و لا يقيم دولة الظلم و لو كانت مسلمة 0
· و يقول الرسول صلي الله عليه و سلم : " كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفها من قويه " فالأمة التي ينتشر فيها الظلم هي أمة متخلفة تأتي في أذيال الأمم حيث قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول " تقوم الساعة و الروم اكثر الناس , فقال له عمر أبصر ما تقول 0 قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلي الله عليه و سلم قال لئن قلت ذلك أن فيهم لخصالاً أربع إنهم لأحلم الناس عند الفتنة , و أسرعهم إفاقة بعد مصيبة و أوشكهم كرة بعد فرة و خيرهم لمسكين و يتيم و ضعيف و خاصة حسنة جميلة و امنعهم من ظلم الملوك 0" محمد أبو المجد | |
|